الرواحي: أفضل أنواع التواصل بين الأرحام في شهر رمضان المبارك
فرصة عظيمة لنبذ الأحقاد والفرقة والشقاق والنزاع -
أجرى اللقاء : سيف بن سالم الفضيلي -
أكد الشيخ محمد بن زهران الرواحي رئيس قسم الدراسات الدينية بالانتداب أن شهر رمضان المبارك فرصة عظيمة لنبذ الأحقاد ونبذ الفرقة والشقاق والنزاع، وفرصة للتواصل بين الأرحام الذي يعتبر أفضل أنواع التواصل في هذا الشهر المبارك، وفي هذا التواصل عمل من الأعمال التي تضاعف الحسنات والأجور فهو عمل من الأعمال التي أمر الله عز وجل بها ورسوله المصطفى عليه الصلاة والسلام..
جاء ذلك في اللقاء الذي أجريناه معه حول رمضان وصلة الرحم.. وإلى التفاصيل.
في معرض إجابته على سؤال (رمضان مدرسة تآلف وتراحم ووصل وكيف يستفيد المسلم منها خاصة فيما بينه وبين أرحامه؟ يقول الشيخ الرواحي: شهر رمضان المبارك شهر خصه الله عز وجل بالصيام كما هو معلوم، وقد أنزل فيه القرآن، قال الله سبحانه وتعالى: «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه».
وصلة الرحم جاء وصفها وذكرها العظيم في أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، من ذلك ما جاء في الحديث القدسي: «قال الله تبارك وتعالى: أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته».
فلما خص شهر رمضان بالصيام، وخص فيه بأن أنزل فيه القرآن، فكذلك الرحم اشتق الله عز وجل لها اسما من اسمه، وهو الرحمن، من هنا يدرك المسلم لما في العلاقة الوطيدة بين شهر رمضان وبين الرحم، إذ فيه تكون لصلة الرحم أعلى مكانة، وأعظم أجرا، فكيف ذلك؟
نعم، تكون لصلة الرحم أعلى مكانة في شهر الصيام لأن شهر رمضان أنزل فيه القرآن كما ذكرت سابقا، والرحم اشتق الله عز وجل لها اسما من أسمائه، فكان لمكانتهما العلية من هذه الناحية، من ناحية اختصاص الله سبحانه لهما أو بالأحرى بكرامة الله لهما بمزية لا توجد في غيرهما، فشهر رمضان المبارك بمزية وبكرامة نزول القرآن الكريم، والرحم بمزية وكرامة اشتقاق اسم الله عز وجل لها باسم من أسمائه، أما من ناحية عظم أجر صلة الرحم، فهو لمزية شهر رمضان المبارك، فإن فيه تضاعف الحسنات والدرجات كما هو معلوم، هذا، وأن شهر رمضان المبارك من أفضل الشهور كما هو معلوم كذلك، فيه تضاعف الأجور، وفيه تضاعف الحسنات كما بيّنت آنفًا، فالأحرى بالمسلم والمسلمة أن يستفيدا من ذلك، فيعملا على مضاعفة حسناتهما، ومضاعفة أجورهما، وذلك بالعمل بما أمر الله عز وجل، وبما أمر به رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
فالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو القدوة عليه الصلاة والسلام، كان أجود ما يكون في شهر رمضان، «فعن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة»، هذا هو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو ديدنه صلى الله عليه وسلم، في شهر رمضان المبارك، فهو دائما في الخير مقبل، لكنه في شهر رمضان المبارك أكثر إقبالا، وهو دائما في البذل سابق، لكنه في شهر رمضان المبارك أكثر سبقا.
فرصة الرجوع إلى الله
من هنا على المسلم والمسلمة أن يقتديا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فشهر رمضان فرصة عظيمة للرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، وفرصة عظيمة للتوبة إلى الله عز وجل، ففي شهر رمضان تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، كما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، وكما جاء أيضا عنه صلى الله عليه وسلم قوله: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، من هنا على المسلم والمسلمة أن يشكرا الله عز وجل على بلوغهما شهر رمضان المبارك، ويعقدا العزم على التوبة من كل ذنب، ويعملا على المصالحة مع النفس، ومع الناس، وقبل ذلك المصالحة مع الله سبحانه وتعالى، «فمن أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح أمر آخرته، أصلح الله أمر دنياه، ومن كان له من نفسه واعظ ، كان عليه من الله حافظ»، (يروى هذا عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه والله أعلم).
ويؤكد الرواحي أن شهر رمضان المبارك مدرسة ربانية إلهية حكيمة، فعلى المسلم والمسلمة أن يتعلما من هذه المدرسة التي ليس كمثلها مدرسة، وأن يتعلما منها الرحمة إلى الفقير والمسكين والمحتاج، ويتعلما منها التواصل مع الأقربين، والعطف على الصغير، والعطف على اليتيم، والتواصل مع أسر محتاجة لا تجد لقمة للعيش تعتاش بها، ويتعلما منها كل ما يقربهما إلى الله عز وجل، إنها مدرسة ليست ككل المدارس، إنها مدرسة التآلف والتكاتف والتراحم والتواصل.
وإن من أفضل أنواع التواصل في هذا الشهر المبارك، التواصل مع الأرحام، والمقصود بهم: أقرباء الأم، وأقرباء الأب والله أعلم.
فيا أيها المسلم ويا أيتها المسلمة: هل أنتما متواصلان مع أرحامكما، وهل أنتما متصالحان مع أرحامكما؟، إن كنتما كذلك، فأنتما في مأمن، وإن كنتما غير ذلك، فأنتما في خطر، وأي خطر، فالله سبحانه وتعالى يقول: «والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار»، وقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قوله» :إن آل أبي فلان ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله وصالح المؤمنين، غير أن لهم رحما سأبُلّها ببلالها»، ففي هذا الحديث الشريف يضع النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة من قواعد الدين الحنيف، الإسلام الحنيف، فحتى لو كانت الرحم كافرة، إلا أن صلتها واجبة ما لم يكن هناك داعٍ للقطيعة، كأن يكونوا حربا على الإسلام وأهله، والله أعلم، فليأخذ المسلم والمسلمة من هذا الحديث الشريف العبرة والعظة، فيما إن كانا قاطعين لرحمهما.
فالنبي صلى الله عليه وسلم هو القدوة وأمرنا باتباعه، واتباع شرعه، فقد قال الله عز وجل وقوله الحق المبين: «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا»، وقال أيضا جل وعلا: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا»، وقال أيضا عز وجل: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا»
وفي هذا الشهر المبارك فرصة عظيمة لنبذ الأحقاد، ونبذ الفرقة والشقاق والنزاع، وفرصة عظيمة لاتحاد الكلمة، ووحدة الصف، والأخذ بالأسباب، فلئن كان من سبب لذلك، فلا أجد غير شهر رمضان فرصة لذلك، ذلك لأن في هذا الشهر يصوم المسلمون كافة، في مشارق الأرض ومغاربها، غنيهم وفقيرهم، حاكمهم ومحكومهم، رئيسهم ومرؤوسهم.
فلنأخذ من هذا الشهر المبارك فرصة لنبذ الشقاق والنزاع، والتخاصم والفراق، ويا أمة الإسلام دعي عنك الفرقة والشقاق والنزاع، وعودي إلى الله سبحانه وتعالى خير العودة، فهذا الشهر هو الشهر العودة إلى الله سبحانه وتعالى، وهو شهر الرجعة إلى الله عز وجل.
وأجاب الرواحي عما يرمي اليه الحديث الشريف «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه»: إن الناظر في هذا الحديث الشريف نظرة فاحصة، والمتأمل فيه تأمل البصير، يجد فيه العديد من الأمور، فمن بينها: الإيمان بالله، ومن بينها: الإيمان باليوم الآخر، ومن بينها: صلة الرحم، فاجتماع هذه الأمور الثلاثة يدل على أهميتها، أو بالأحرى يدل على أهمية ما أمر الله سبحانه وتعالى فيه، بمعنى بالأمر المأمور به في الحديث، وهو صلة الرحم.
فعلى ذلك يُعلم أن صلة الرحم متعلقة بالإيمان بالله واليوم الآخر، فمن واجبات الإيمان بالله، واليوم الآخر، صلة الرحم، فيبين هذا الحديث أن صلة الرحم واجبة، ويتبين هذا الوجوب بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه»، فقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان بالله تعالى وبه صلى الله عليه وسلم، واليوم الآخر، بصلة الرحم، مما يدل على أن صلة الرحم واجبة، وجوب الإيمان بالله واليوم الآخر، وإذا علم المسلم ذلك فلا ينبغي له، بل لا يحق له قطع رحمه، وإن قطع رحمه، فقد حقت عليه الآية الكريمة في قوله سبحانه وتعالى: «فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم، أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم»، فهذا جزاؤه إن قطع رحمه، عليه لعنة الله، والمقصود به الطرد من رحمة الله والعياذ بالله تعالى.
جاء في تفسير الطبري: «قوله: (أولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يفعلون هذا، يعني الذين يفسدون ويقطعون الأرحام الذين لعنهم الله، فأبعدهم من رحمته فأصمهم، يقول: فسلبهم فَهْمَ ما يسمعون بآذانهم من مواعظ الله في تنزيله (وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) يقول: وسلبهم عقولهم، فلا يتبيَّنون حُجج الله، ولا يتذكَّرون ما يرون من عبره وأدلته» انتهى.
إن هذا الحديث الشريف يعتبر قاعدة من قواعد الدين، وأساسا من أساسيات الدين، فالأرحام وهم من يلتقون مع الشخص بالنسب -كما تقدم سابقا- هم أقرب الناس إلى الإنسان، والله سبحانه وتعالى أمر بالإحسان إلى ذوي القربى، قال الله عز وجل: «وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا»، فأول ما بدأ الله سبحانه وتعالى به في هذه الآية الكريمة هم الأقرباء، وفي ذلك دلالة عظيمة، لا يخفى على كل لبيب، إذ بهم يبدأ الإحسان، فلو كل إنسان أحسن إلى أقربائه، هل سيبقى محتاج في البلد؟، لا، لماذا؟ لأن من الأقرباء الفقير، ومن الأقرباء الغني، فلو أحسن هذا القريب الغني، لقريبه الفقير، هل سيبقى محتاج في البلد؟، الإجابة: لا طبعا، من هنا كان هذا الحديث الشريف أساسا من أساسيات الدين، وقاعدة من قواعده المتينة، الله أكبر.
إن الإسلام عظيم في قواعده، عظيم في أساسياته، وما قول الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف عن صلة الرحم، إلا جزء من تلكم الأساسيات، ومن تلكم القواعد.